دولــة الإمـارات العـربية المتحـدة الجمعة : 3 شوال 1429 الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الموافق : 3/10/2008م مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ الْخُطْبَةُ الأُولَى الحمدُ للهِ الَّذي أنعمَ علينَا بصيامِ رمضانَ وإتمامِهِ, نحمدُهُ سبحانَهُ وتعالَى علَى جودِهِ وإحسانِهِ, ونسألُهُ الفوزَ بجنَّتِهِ ورضوانِهِ , وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ القائِلُ :( فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ (() وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ القائِلُ ( :« قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ »(2) اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ والتابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ : فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوى اللهِ وطاعتِهِ ، قالَ اللهُ تعالَى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(() أيُّهَا المسلمونَ : بالأمسِ القريبِ كانَ رمضانُ, واليومُ نحنُ فِي شوالٍ؛ فقدْ مرَّتْ أيَّامُ شهرِ رمضانَ المباركةُ بِكُلِّ مَا كانَ فيهَا مِنْ خيرٍ عميمٍ ورحمةٍ عظيمةٍ وعتقٍ مِنَ النيرانِ ومغفرةٍ للذنوبِ وتفريجٍ للكروبِ؛ فهنيئاً لِمَنْ اغتنمَ أيَّامَهُ بالطاعاتِ, وأكْثَرَ فيهِ مِنْ أنواعِ القرباتِ ؛ ليكونَ يومَ القيامةِ مِنَ الفائزينَ ، وعندَ اللهِ تعالَى مِنَ المقربِينَ يومَ يُنادَى :( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ (() وأمَّا مَنْ فاتَهُ الخيرُ الكثيرُ فِي رمضانَ فليَتُبْ إلَى اللهِ تعالَى وليتدارَكْ ما فاتَهُ بالإقبالِ علَى طاعَةِ ربِّهِ؛ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ ورحمةُ اللهِ واسعةٌ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (() وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« قَالَ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »(). أيُّهَا المؤمنونَ : إذَا كانَ رمضانُ موسماً عظيماً للطاعةِ والعبادةِ تزوَّدَ فيهِ المؤمنونَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ فليسَ معنَى هذَا أَنْ يَعْقُبَ هذَا الموسمَ فُتورٌ عَنِ العملِ الصَّالحِ؛ فالمسلمُ مُطالَبٌ بأَنْ يستقِيمَ علَى طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَى المماتِ ، وأنْ يستمرَّ علَى عبادةِ اللهِ كمَا قالَ اللهُ تعالَى :( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ (() وقالَ جَلَّ وعلاَ :( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (() وكانَ مِنْ هديِ رَسُولِ اللَّهِ ( المداومةُ علَى العملِ الصالِحِ، فعَنِ السيدةِ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ(). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ »(). وكانَ الصحابةُ يجتهدونَ فِي إتمامِ العملِ وإكمالهِ، ثمَّ يهتمُّونَ بعدَ ذلكَ بقبولِهِ, وقدْ وصفَهُمُ اللهُ تعالَى بقولِهِ:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (() قَالَتِ السيدةُ عائشةُ رضيَ اللهُ عنهَا : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( عَنْ هَذِهِ الآيَةِ :( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ( أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ(). وعلَى هذَا سارَ التَّابعونَ ومَنْ تبعَهُمْ ونَهجُوا نَهْجَ الصحابةِ الكرامِ رضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ . فاستقيمُوا عبادَ اللهِ علَى الأعمالِ الصَّالحةِ, واجتهدُوا فِي المواظبةِ علَى الطاعةِ والعبادةِ, واقتدُوا بسيِّدِ البريةِ محمدٍ ( حتَّى تتحقَّقَ لكُمْ هذهِ المرتبةُ العليةُ, يقولُ اللهُ تعالَى :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ( () اللهُمَّ أعنَّا علَى ذكرِكَ وشكْرِكَ وحُسْنِ عبادتِكَ ، وثبِّتْنَا علَى العملِ الصَّالحِ يَا ربَّ العالمينَ. أقولُ قولِي هذا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغفُورُ الرحيمُ. الخطبة الثانية الحمدُ للهِ الذِي بنعمتِهِ تتِمُّ الصالحاتُ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ ربُّ الأرضِ والسمواتِ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُه ورسولُهُ سيدُ الكائناتِ، والداعِي إلَى رضوانِ اللهِ والجناتِ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واجتهدُوا فِي فعلِ الطاعاتِ، وداومُوا عليهَا تكتبْ لكُمُ السعادةُ فِي الدنيَا والفلاحُ فِي الآخرةِ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ :﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾() ومِنْ علامةِ قبولِ العملِ الصالحِ فِي رمضانَ المحافظةُ عليهِ بعدَ رمضانَ, وقدْ سنَّ لنَا رسولُ اللهِ ( صيامَ ستةِ أيَّامٍ منْ شوَّالٍ؛ فقالَ (:« مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ »(). هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ 
تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(() ويَقُولُ الرسولُ ( :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »() اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.