فَضْلِ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ الْخُطْبَةُ الأُولَى الحمدُ للهِ الَّذِي مَنَّ علَى عبادِهِ بمواسِمِ الخيراتِ، ليغفرَ لهمُ الذُّنوبَ ويرفعَ لهمُ الدَّرجاتِ, وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وحبيبُهُ, اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تَبِعهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ. أمّا بعدُ: فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ تعالَى وطاعتِهِ، قالَ تعالَى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(). أيُّها المسلمونَ : لقَدْ شرَّفَنا اللهُ تعالَى بشهرٍ عظيمٍ تتطهَّرُ فيهِ النُّفوسُ, ونتقرَّبُ فيهِ إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ بأنواعٍ كثيرةٍ منَ الطَّاعاتِ والقُرباتِ، لينالُوا بذلكَ أعلَى الدَّرجاتِ، ويفوزُوا بالجنَّاتِ، وفِي العشْرِ الأواخرِ تكثُرُ البركاتُ وتُضَاعَفُ الحسناتُ وتتنَزَّلُ الرحماتُ ؛ فيسارعُ الصَّائمونَ إلَى اغتنامِ هذهِ الأيَّامِ، متأسِّينَ بسيِّدِ الأنامِ محمَّدٍ ( فقدْ كانَ ( يعظَّمُ هذهِ الأيَّامَ, ويعرِفُ قدْرَهَا؛ فيُشَمِّرُ عنْ ساعِدِ الجدِّ كَمَا وصفَتْهُ السيدةُ عَائِشَةُ أمُّ المؤمنينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ(). وتصِفُهُ كذلكَ فتقولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ(). عبادَ اللهِ: لقدْ كَانَ النَّبيُّ ( يخصُّ العشرَ الأواخرَ مِنْ رمضانَ بأعمالٍ ، فمنْهَا : إحياءُ اللَّيلِ : فقدْ كانَ الحبيبُ المُصْطَفَى ( يُحْيِى الليلَ بالقيامِ والدُّعاءِ وتلاوةِ القُرآنِ, وكانَتْ قراءتُهُ مرتلةً لاَ يَمرُّ بآيةٍ فيهَا رحمةٌ إلاَّ سألَ, ولاَ بآيةٍ فيهَا عذابٌ إلاَّ تعوَّذَ . وكانَ جبريلُ عليهِ السَّلام يدارسُهُ القرآنَ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ (). ومِنْ هذِهِ الأعمالِ أنَّهُ كانَ ( يُوقِظُ أهلَهُ للصَّلاةِ فِي الليلِ, فعنْ عليِّ بنِ أبِي طالبٍ ( قالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ( يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلاةَ () . وفِي هذَا تعليمٌ للمسلمِ بأنْ يكونَ حريصاً علَى أهلهِ ويحبُّ الخيرَ لَهُمْ , ويحثُّهُمْ علَى القيامِ معَهُ ليفُوزُوا بالأجْرِ الْكبيرِ والفضْلِ الْعظيمِ فِي إحياءِ هذهِ اللَّيالِي الْعظيمةِ . وقدْ رغَّبَ رَسُولُ اللَّهِ ( فِي قيامِ رَمَضَانَ معَ الإمامِ فقَالَ :« مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ »() . ومنْ هذهِ الأعمالِ الجودُ والإنفاقُ ؛ فمِمَّا لاَ شكَّ فيهِ أنَّ أجْرَ الصَّدقةِ مُضاعفٌ, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، فرَسُولُ اللَّهِ ( أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ() فحريٌّ بالمسلمِ أنْ يفوزَ بكلِّ خيراتِ هذَا الشهرِ, ويغتنمَ هذهِ الأيامَ العظيمةَ بِمَا كانَ يفعلُهُ رسولُ اللهِ ( وأصْحابُهُ ( . أيُّهَا المؤمنونَ : شهرُ رمضانَ شهرٌ أولُهُ رحمةٌ وأوسطُهُ مغفرةٌ وآخرهُ عتقٌ من النَّارِ, وقدْ مضَى منهُ الكثيرُ وَلَمْ يبقَ منْهُ إلاَّ القليلُ؛ فلنبادِرْ إلَى اغتنامِ هذِهِ الأيَّامِ المباركةِ ، لأنَّ فيهَا ليلةً مباركةً ، وهيَ ليلةُ القدْرِ التِي أمرَنَا رسولُ اللهِ ( أنْ نتحرَّاهَا فِي العشْرِ الأواخِرِ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ »(). ولاَ ينبغِي أنْ يُؤثِّرَ قيامُ الليلِ علَى العملِ والوظيفةِ؛ ولنجتهدْ فِي إزالةِ الموانعِ الَّتِي تمنعُ رفعَ العملِ الصالِحِ إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ كعقوقِ الوالدينِ وقطْعِ الأرحامِ, والإساءةِ إلَى الجوارِ, والشحناءِ والبغضاءِ، ولنُكثِرْ مِنَ الصَّدقةِ وإطعامِ الصَّائمينَ؛ فمَنْ فطَّرَ صائماً كانَ مغفرةً لذنوبِهِ وعِتْقاً لهُ مِنَ النَّارِ, وكانَ لهُ مِنَ الأجرِ مثلُ أجرِ الصَّائمِ, ولاَ ننسَى الدُّعاءَ والإكثارَ منهُ؛ فإنَّ دعاءَ الصَّائمِ فِي رمضانَ مستجابٌ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ (() وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« الصَّائِمُ لاَ تُرَدُّ دَعَوْتُهُ »(). اللهمَّ أعنَّا فِي أيَّامِ العشرِ الأواخرِ على الصِّيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآنِ والصَّدقةِ والإنفاقِ, وتقبَّلْ منَّا إنَّكَ أنتَ السَّميعُ العليمُ . اللهمَّ أعنَّا علَى طاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ . أقولُ قولِي هذا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغفُورُ الرحيمُ. الخُطْبَةُ الثَّانيةُ الحمدُ للهِ غافرِ الذَّنبِ وقابلِ التوبِ، نحمدُهُ سبحانَهُ وتعالَى أنْ خصَّنَا بشهرِ الصِّيامِ وختمَهُ بخيرِ الليالِي والأيَّامِ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تَبِعهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ هذهِ الأيامَ موسمٌ عظيمٌ يتنافسُ فيهِ المتنافسونَ علَى قيامِ الليلِ وتلاوةِ القُرْآنِ والتَّضرُعِ والدُّعاءِ؛ فجِدُّوا فِي العملِ الصَّالِحِ فِي هذهِ الليالِي العشرِ، وودِّعُوا شهرَكُمْ هذَا بالقيامِ وتلاوةِ القُرآنِ ، وقابِلُوا نِعمَ اللهِ تعالَى بالشُّكرِ لهُ جلَّ وعلاَ, وبذْلِ الصَّدقاتِ وصلةِ الأرحامِ والإحسانِ إلَى الفقراءِ والمحتاجينَ ، وتوبُوا إلَى التَّوابِ الرَّحيمِ توبةً صادِقَةً , واسْتَدْرِكُوا مَا فاتَكُمْ ومَا قَصَّرْتُمْ بهِ فِي أوَّلِ شهرِكُمْ، وتنَافَسُوا فيمَا يُوصِّلُكُمْ إلَى رضَا ربِّكُمْ ، عَسَى أنْ يُخْتَمَ لكُمْ بالقبولِ والمغفرَةِ . هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ 
تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(() ويَقُولُ الرسولُ ( :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »() اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ أعنَّا علَى إحياءِ العشْرِ الأواخرِ منْ رمضانَ واكتبْنَا فيهَا منَ المقبولينَ ، اللَّهُمَّ اجعلِ القرآنَ الكريمَ ربيعَ قلوبِنَا ، وشفاءَ صدورِنَا ، وجِلاءَ أحزانِنَا وهمومِنَا ، اللَّهُمَّ ارزقْنَا تلاوتَهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.