دولــة الإمـارات العـربية المتحـدة الجمعة:12 رمضان 1429 الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الموافق:12/9/ 2008م مِنْ صُوَرِ الإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ الْخُطْبَةُ الأُولَى الحَمْدُ للهِ الذِي أمرَنَا بالإنفاقِ وحثَّنَا عليهِ ، قالَ تعالَى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ (() وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»() اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أمَّا بعدُ : فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قالَ تعالَى :( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ( (). عبادَ اللهِ : نحنُ الآنَ فِي شهرٍ كريمٍ ، شهرُ الجودِ والإحسانِ ، شهرُ البِرِّ والغفرانِ ، شهرٌ يتسارعُ الناسُ فيهِ إلَى فعلِ الخيراتِ والإنفاقِ مِنَ الطيباتِ ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ( أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ(). وللإنفاقِ صورٌ عديدةٌ ، ومِنْ هذِهِ الصُّوَرِ إطعامُ الطعامِ وإفطارُ الصائمينَ، ففيهِ تأليفٌ للقلوبِ وعطْفٌ علَى المحتاجينَ ومواساتُهُمْ ، وكتابةُ الأجرِ العظيمِ والثوابِ العميمِ مِنَ اللهِ تعالَى ، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً»(). فمَنِ استطاعَ منكُمْ أنْ يفطرَ صائمًا فليفعلْ فقدْ أمرَ اللهُ تعالَى بإطعامِ المحتاجِ ، وقدْ قالَ سبحانَهُ فِي حديثِهِ القدسيِّ:« يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى . قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى ، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى»(). أيهَا المسلمونَ : ومِنْ صورِ الإنفاقِ كسوةُ الفقراءِ والمحتاجينَ وشراءُ كسوةِ العيدِ لَهُمْ، ففيهِ إدخالُ السرورِ عليهِمْ ، وإغناؤُهُمْ عَنِ السؤالِ فِي يومِ العيدِ ، يومُ الفرحِ والسرورِ ، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ»(). وقدْ بشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ( مَنْ كسَا أخَاهُ بأنَّهُ يظلُّ فِي حفظِ اللهِ تعالَى ورعايتِهِ فقالَ :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً إِلاَّ كَانَ فِى حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ مِنْهُ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ »(). أيهَا المسلمونُ : ومِنْ صورِ الإنفاقِ كفالةُ اليتيمِ ، فاليتمُ حالةٌ اجتماعيةٌ قدْ تحدثُ فِي أيِّ بيتٍ ، وهذَا حبيبُ اللهِ ورسولُهُ سيدُنَا محمدٌ ( وُلِدَ يتيمًا وعاشَ يتيمًا ، فهيَّأَ اللهُ تعالَى لهُ مَنْ يقومُ بكفالتِهِ وخدمتِهِ ، فلمَّا بعثَهُ اللهُ نبيًّا ورسولاً للعالمينَ ذَكَّرَهُ بِيُتْمِهِ وأمرَهُ بالإحسانِ إلَى اليتيمِ ، فكانَ ( رحيمًا بالأيتامِ عطوفًا عليهِمْ مُرغِّبًا أمتَهُ فِي الإحسانِ إليهِمْ ، ووعَدَ مَنْ أحسَنَ إليهِمْ برفقتِهِ فِي الجنةِ حيثُ قالَ ( :« أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ». وَأشارَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى(). والإسلامُ برعايتِهِ وكفالتِهِ للأيتامِ إنَّمَا ينظرُ نظرةً عميقةً إلَى المستقبلِ، فربَّمَا باركَ اللهُ تعالَى فِي هذَا اليتيمِ فكانَ سببًا فِي نَهضةِ المجتمعِ وريادتِهِ وتحقيقِ العزَّةِ والكرامةِ لهُ . ولقَدْ أوصَى الإسلامُ باليتامَى وأولاَهُمْ اهتمامًا كبيرًا ، وأحاطَهُمْ برعايتِهِ ، وحذَّرَ مِنْ ظُلْمِهِمْ ، وسَنَّ لَهُمْ مِنَ التشريعاتِ مَا يصونُ كرامتَهُمْ ، ويحفظُ عليهِمْ أموالَهُمْ، ويؤمِّنُ مستقبلَهُمْ ، فقدْ جاءَتْ نصوصٌ كثيرةٌ فِي ذلكَ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى :( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ(() وقالَ عزَّ وجلَّ :(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ (() أيهَا المؤمنونَ : ومِنْ صورِ الإنفاقِ السعْيُ علَى الأراملِ وعلاجُ المرضَى والمحتاجينَ ، والتصدُّقُ علَى الفقراءِ والمساكينِ ، ونشْرُ كتبِ العلمِ ومساعدةُ طلابِهِ ، وجميعُ أبوابِ البِرِّ والخيرِ . اللهمَّ اجعلْنَا مِمَّنْ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ مرضاتِكَ وتقبَّلْهَا منَّا بجودِكَ وكرمِكَ يَا أكرمَ الأكرمينَ . أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ. الخُطْبَةُ الثَّانيةُ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أمَّا بَعْدُ : فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى، واعلمُوا أنَّ مَنْ رفَقَ بعبادِ اللهِ تعالَى رفقَ اللهُ بِهِ، ومَنْ رحمَهُمْ رحمَهُ اللهُ تعالَى ، ومَنْ أحسنَ إليهِمْ أحسنَ اللهُ إليهِ، ومَنْ جادَ عليهِمْ جادَ اللهُ عليهِ، ومَنْ نفعَهُمْ نفعَهُ اللهُ ، ومَنْ سترَهُمْ سترَهُ اللهُ ، ومَنْ أنفقَ مِنْ أموالِهِ أخلفَ اللهُ عليهِ ، قالَ تعالَى :( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (() هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ 
تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(() ويَقُولُ الرسولُ ( :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »() اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ حبِّبْ إلينَا عبادَكَ واجعلْنَا مِنَ المنفقينَ عليهِمْ ، ومِنَ الْمُوَاسِينَ لهمْ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.